كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الجوهريّ: والدّامية الشَّجَّة التي تَدْمَى ولا تَسيل.
وقال علماؤنا: الدّامية هي التي تُسيل الدم.
ولا قصاص فيما بعد الموضِحة، من الهاشِمة للعظم، والمُنَقِّلة على خلاف فيها خاصة والآمّة هي البالغة إلى أُمّ الرأس، والدّامِغة الخارقة لخريطة الدماغ.
وفي هاشِمة الجسد القصاص، إلا ما هو مَخُوف كالفخذ وشبهه.
وأما هاشمة الرأس فقال ابن القاسم: لا قَوَد فيها؛ لأنها لابد تعود مُنَقِّلة.
وقال أشهب: فيها القصاص، إلا أن تنقل فتصير مُنَقِّلة لا قَوَد فيها.
وأما الأطراف فيجب القصاص في جميع المفاصل إلا المخوف منها.
وفي معنى المفاصل أبعاض المارِن والأذنين والذكر والأجفان والشفّتين؛ لأنها تقبل التقدير.
وفي اللسان روايتان.
والقصاص في كسر العظام، إلا ما كان مُتْلِفًا كعظام الصدر والعنق والصلب والفخذِ وشبهه.
وفي كسر عظام العضد القصاص.
وقضى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في رجل كسر فخذ رجل أن يُكسَر فخذُه؛ وفعل ذلك عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بمكة.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه فعله؛ وهذا مذهب مالك على ما ذكرنا وقال: إنه الأمر المجمع عليه عندهم، والمعمول به في بلادنا في الرجل يضرب الرجل فيتقيه بيده فيكسرها يقاد منه.
الخامسة والعشرون قال العلماء: الشِّجَاج في الرأس، والجِراح في البدن.
وأجمع أهل العلم على أن فيما دون المُوضِحة أرْشٌ فيما ذكر ابن المنذر؛ واختلفوا في ذلك الأرش.
وما دون المُوضِحة شِجاج خمس: الدّامِية والدّامِعة والباضِعة والمتلاحِمة والسِّمْحاق؛ فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي في الدّامِية حكومة، وفي الباضِعة حكومة، وفي المتلاحِمة حكومة.
وذكر عبد الرزاق عن زيد بن ثابت قال: في الدّامِية بعِير، وفي الباضِعة بعِيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعِرة من الإبل، وفي السِّمْحَاق أربع، وفي المُوضِحة خمس، وفي الهاشِمة عشر، وفي المُنَقِّلة خمس عشرة، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الرجل يضرب حتى يذهب عقله الدية كاملة، أو يضرب حتى يَغُنّ ولا يُفْهِم الدّية كاملة، أو حتى يبّح ولا يُفْهِم الدِّية كاملة، وفي جَفْن العين ربع الدِّية.
وفي حَلَمة الثدي ربع الدِّية.
قال ابن المنذر: وروى عن عليّ في السِّمْحاق مثل قول زيد.
وروى عن عمر وعثمان أنهما قالا: فيها نصف المُوضِحة.
وقال الحسن البصريّ وعمر بن عبد العزيز والنَّخَعيّ فيها حكومة؛ وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد.
ولا يختلف العلماء أن المُوضِحة فيها خمس من الإبل؛ على ما في حديث عمرو بن حزم، وفيه: «وفي المُوضِحة خمس» وأجمع أهل العلم على أن المُوضِحة تكون في الرأس والوجه.
واختلفوا في تفضيل مُوضِحة الوجه على مُوضِحة الرأس؛ فروِي عن أبي بكر وعمر أنهما سواء.
وقال بقولهما جماعة من التابعين؛ وبه يقول الشافعي وإسحاق.
وروى عن سعيد بن المسيّب تضعيف مُوضِحة الوجه على مُوضِحة الرأس.
وقال أحمد: مُوضِحة الوجه أَحْرَى أن يزاد فيها.
وقال مالك: المأمومة والمنقِّلة والمُوضِحة لا تكون إلا في الرأس والوجه، ولا تكون المأمومة إلا في الرأس خاصة إذا وصل إلى الدّماغ، قال: والمُوضِحة ما تكون في جُمْجُمة الرأس، وما دونها فهو من العنق ليس فيه مُوضحة.
قال مالك: والأنف ليس من الرأس وليس فيه مُوضحة، وكذلك اللَّحْيُ الأسفل ليس فيه مُوضِحة.
وقد اختلفوا في المُوضِحة في غير الرأس والوجه؛ فقال أشهب وابن القاسم: ليس في مُوضِحة الجسد ومنقّلته ومأمومته إلا الاجتهاد، وليس فيها أَرْشٌ معلوم.
قال ابن المنذِر: هذا قول مالك والثوريّ والشافعيّ وأحمد وإسحاق، وبه نقول.
وروِي عن عطاء الخراسانيّ أن المُوضِحة إذا كانت في جسد الإنسان فيها خمس وعشرون دينارًا.
قال أبو عمر: واتفق مالك والشافعيّ وأصحابهما أن من شَجّ رجلًا مأمومتين أو مُوضِحتين أو ثلاث مأمومات أو مُوضِحات أو أكثر في ضربة واحدة أن فيهن كلهن وإن انخرقت فصارت واحدة دية كاملة.
وأما الهاشِمة فلا دِية فيها عندنا بل حكومة.
قال ابن المنذِر: ولم أجِد في كتب المدنيين ذِكر الهاشِمة، بل قد قال مالك فيمن كسر أنف رجل إن كان خطأ ففيه الاجتهاد.
وكان الحسن البصريّ لا يوقّت في الهاشِمة شيئًا.
وقال أبو ثور: إن اختلفوا فيه ففيها حكومة.
قال ابن المنذر: النظر يدل على هذا؛ إذ لا سنة فيها ولا إجماع.
وقال القاضي أبو الوليد الباجِي: فيها ما في المُوضِحة؛ فإن صارت مُنَقِّلة فخمسة عشر، وإن صارت مأمومة فثلث الدِّية.
قال ابن المنذِر: ووجدنا أكثر من لقيناه وبلغنا عنه من أهل العلم يجعلون في الهاشِمة عشرًا من الإبل.
وروينا هذا القول عن زيد بن ثابت؛ وبه قال قَتَادة وعبيد الله بن الحسن والشافعيّ.
وقال الثوريّ وأصحاب الرأي: فيها ألف دِرهم، ومرادهم عشر الدِّية.
وأما المنقّلة فقال ابن المنذِر: جاء الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في المنقلة خمس عشرة عن الإبل» وأجمع أهل العلم على القول به.
قال ابن المنذِر: وقال كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن المنقلة هي التي تنقل منها العظام.
وقال مالك والشافعيّ وأحمد وأصحاب الرأي وهو قول قَتَادة وابن شُبْرُمة أنّ المنقّلة لا قَوَد فيها؛ وروينا عن ابن الزبير وليس بثابت عنه أنه أقاد من المنقِّلة.
قال ابن المنذر: والأوّل أولى؛ لأني لا أعلم أحدًا خالف في ذلك.
وأما المأمومة فقال ابن المنذر: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في المأمومة ثلث الدِّية» وأجمع عوام أهل العلم على القول به، ولا نعلم أحدًا خالف ذلك إلا مكحولًا فإنه قال: إذا كانت المأمومة عمدًا ففيها ثلثًا الدِّية، وإذا كانت خطأ ففيها ثلث الدِّية؛ وهذا قول شاذّ، وبالقول الأول أقول.
واختلفوا في القَوَد من المأمومة؛ فقال كثير من أهل العلم: لا قَوَد فيها؛ وروي عن ابن الزبير أنه أَقَصَّ من المأمومة، فأنكر ذلك الناسُ.
وقال عطاء: ما علمنا أحدًا أقاد منها قبل ابن الزبير.
وأما الجائِفة ففيها ثلث الدّية على حديث عمرو بن حزم؛ ولا خلاف في ذلك إلا ما روي عن مكحول أنه قال: إذا كانت عمدًا ففيها ثلثا الدِّية، وإن كانت خطأ ففيها ثلث الدِّية.
والجائِفة كل ما خرق إلى الجوف ولو مدخل إبرة؛ فإن نفذت من جهتين فهي عندهم جائفتان، وفيها من الدِّية الثلثان.
قال أشهب: وقد قضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جائفة نافذة من الجنب الآخر بدِية جائفتين.
وقال عطاء ومالك والشافعيّ وأصحاب الرأي كلهم يقولون: لا قِصاص في الجائِفة.
قال ابن المنذر: وبه نقول.
السادسة والعشرون واختلفوا في القَوَد من اللَّطْمَة وشبهها؛ فذكر البخاريّ عن أبي بكر وعليّ وابن الزبير وسُوَيْد بن مُقَرِّن رضي الله عنهم أنهم أقادوا من اللَّطْمة وشبهها.
وروى عن عثمان وخالد بن الوليد مثل ذلك؛ وهو قول الشَّعْبيّ وجماعة من أهل الحديث.
وقال الليث: إن كانت اللَّطمة في العين فلا قَوَد فيها؛ للخوف على العين ويعاقِبه السلطان.
وإن كانت على الخدّ ففيها القَود.
وقالت طائفة: لا قِصاص في اللَّطمة؛ روي هذا عن الحسن وقَتَادة، وهو قول مالك والكوفيين والشافعيّ؛ واحتج مالك في ذلك فقال: ليس لَطْمَةُ المريض الضعيف مثلَ لطمة القويّ، وليس العبد الأسود يُلطَم مثل الرجل ذي الحالة والهيئة؛ وإنما في ذلك كله الاجتهاد لجهلنا بمقدار اللّطمة.
السابعة والعشرون واختلفوا في القَوَد من ضرب السوط؛ فقال الليث والحسن: يقاد منه، ويزاد عليه للتعدّي.
وقال ابن القاسم: يقاد منه.
ولا يقاد منه عند الكوفيين والشافعيّ إلا أن يجرح؛ قال الشافعيّ إن جرح السوط ففيه حكومة.
وقال ابن المنذِر: وما أُصيب به من سوط أو عصا أو حجر فكان دون النفس فهو عمد، وفيه القَوَد؛ وهذا قول جماعة من أصحاب الحديث.
وفي البخاريّ وأقاد عمر من ضربة بالدِّرَّة، وأقاد عليّ بن أبي طالب من ثلاثة أسواط.
واقتص شُرَيْح من سوط وخُمُوش.
وقال ابن بَطّال: وحديث لدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل البيت حجة لمن جعل القَوَد في كل ألم وإن لم يكن جرح.
الثامنة والعشرون واختلفوا في عَقْل جراحات النساء؛ ففي «الموطأ» عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب أنه كان يقول: تُعاقِل المرأةُ الرجلَ إلى ثلث دية الرجل، إصبعها كإصبعِه وسِنها كسنه، ومُوضِحتها كموضِحته، ومُنَقِّلتها كمنقِّلته.
قال ابن بُكَير قال مالك: فإذا بلغت ثلث دِية الرجل كانت على النصف من دِية الرجل.
قال ابن المنذر: روينا هذا القول عن عمر وزيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز وعُرْوة بن الزبير والزهري وقَتَادة وابن هُرْمُز ومالك وأحمد بن حَنْبل وعبد الملك بن الماجِشُون.
وقالت طائفة: دِية المرأة على النّصف من دية الرجل فيما قلّ أو كثر؛ روينا هذا القول عن عليّ بن أبي طالب، وبه قال الثوريّ والشافعيّ وأبو ثور والنعمان وصاحباه واحتجوا بأنهم لما أجمعوا على الكثير وهو الدّية كان القليل مثله، وبه نقول.
التاسعة والعشرون قال القاضي عبد الوهاب: وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصلًا ففيه حكومة؛ كالحاجبين وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثديي الرجل وأليته.
وصفة الحكومة أن يُقوَّم المجنى عليه لو كان عبدًا سليمًا، ثم يُقوَّم مع الجناية فما نقص من ثمنه جعل جزءًا من ديته بالغًا ما بلغ، وحكاه ابن المنذر عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم؛ قال: ويقبل فيه قول رجلين ثقتين من أهل المعرفة.
وقيل: بل يقبل قول عدل واحد.
والله سبحانه أعلم.
فهذه جُمَل من أحكام الجراحات والأعضاء تضمنها معنى هذه الآية، فيها لمن اقتصر عليها كفاية، والله الموفق للهداية بمنه وكرمه.
الموفيه ثلاثين قوله تعالى: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} شرط وجوابه؛ أي تصدق بالقصاص فعفا فهو كفارة له، أي لذلك المتصدّق.
وقيل: هو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة؛ لأنه يقوم مقام أخذ الحق منه، وأجر المتصدق عليه.
وقد ذكر ابن عباس القولين؛ وعلى الأوّل أكثر الصحابة ومن بعدهم، وروى الثاني عن ابن عباس ومجاهد، وعن إبراهيم النَّخَعيّ والشَّعْبيّ بخلاف عنهما؛ والأوّل أظهر لأن العائد فيه يرجع إلى مذكور، وهو «مَنْ».
وعن أبي الدَّرْدَاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلاّ رفعه الله به درجة وحَطّ عنه به خطيئة».
قال ابن العربي: والذي يقول إنه إذا عفا عنه المجروح عفا الله عنه لم يقم عليه دليل؛ فلا معنى له. اهـ.